بعد حادثة نيو أورلينز... هل يترك ترامب الشرق الأوسط ليواجه مصيره؟
بعد حادثة نيو أورلينز... هل يترك ترامب الشرق الأوسط ليواجه مصيره؟
الهجوم الأخير قد يكون مؤشراً إلى عودة الإرهاب إلى أميركا، لكنه في الوقت نفسه يشكل انعكاساً لإخفاقات السياسة الخارجية التي اعتمدها الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، وهذا التطور يمثل بلا شك تحدياً مفاجئاً مثيراً للقلق بالنسبة إلى الإدارة الأميركية المقبلة.
مهما كانت تفاصيل الحادثة المأساوية التي شهدتها مدينة نيو أورلينز الأميركية مع بداية العام الجديد، فإنه يبرز مدى تأثير الصراعات الخارجية، ولا سيما منها تلك التي تدور داخل منطقة الشرق الأوسط، في الداخل الأميركي بطرق قد تكون مدمرة.
وعلى رغم احتمال أن يكون سائق الشاحنة الصغيرة، الذي لقي مصرعه خلال تبادل لإطلاق النار مع قوى الشرطة، شخصاً يعاني اضطراباً نفسياً، استغل شعار "تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش) غطاء لدوافعه الحقيقية، فإن خلفيته وماضيه العسكري وارتباطاته وقدرته على الوصول إلى الأسلحة التي كانت في حوزته، جميعها عوامل تشير إلى وجود سردية مختلفة.
لكن أوجه التشابه بين هذه الحادثة وسوابق أخرى حُددت بوضوح. فهو لا يستحضر في الأذهان تفجير مدينة أوكلاهوما خلال عام 1995، بل هجوماً مشابهاً بشاحنة صغيرة طاول مدينة نيويورك عام 2017، ونُفذ باسم "تنظيم الدولة الإسلامية"، إضافة إلى الذاكرة الحية لأحداث "11 سبتمبر".
وسيكون التأثير، سواء كان مقصوداً أم لا، بمثابة انتقاد قاسٍ للسياسة الفاشلة إلى حد كبير في الشرق الأوسط للرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، وتحذيراً للإدارة القادمة بقيادة دونالد ترامب.
والتساؤل المطروح الآن هو كيف سيتعامل ترامب مع سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إذا ما تم اعتبار ما جرى في نيو أورلينز نذيراً بتجدد الإرهاب المرتبط بالمنطقة، وكيف سيكون رده، وما الخطط التي سيطرحها في ظل وضع إقليمي أصبح أكثر تقلباً ويعيش حالاً من عدم اليقين هي الأشد منذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979؟
لقد أدى سقوط بشار الأسد في سوريا إلى دخول المنطقة في مرحلة جديدة من الغموض وعدم الاستقرار، وباتت أمام فرصة نادرة إما لتحقيق الاستقرار أو على الأرجح للتوجه نحو مزيد من الاضطراب وعدم الاستقرار. وتشمل الديناميكيات المتغيرة في الوقت نفسه كلاً من تركيا التي تتصاعد قوتها في الشمال، وإيران التي يتراجع نفوذها في الشرق، والأكراد الذين يحتجزون الآلاف من المقاتلين السابقين في تنظيم "داعش"، والذين يقفون في الوسط بينهما.
كذلك في شرق المنطقة، ما زالت أفغانستان تقبع تحت سيطرة حركة "طالبان"، بينما في غربها تواجه فلسطين صراعاً من دون زعامة بعدما تحول قطاع غزة إلى حطام، وتواجه إسرائيل صعوبات كبيرة في جهودها الرامية إلى إلحاق الهزيمة بـ"حزب الله" وحركة "حماس". وتتفاقم حال عدم اليقين هذه في الشرق الأوسط إما بسبب شيخوخة قادة دوله، أو نتيجة انعدام الأمن في مختلف أرجائه.
لن يكون هذا بالتحدي السهل أو المباشر لأية إدارة أميركية. إلا أنه من المحتمل ألا يكون هذا هو الوضع الذي توقعه دونالد ترامب كأولوية رئيسة على قائمة القضايا المحورية، أقله حتى الآن.
يُشار إلى أنه عندما غادر دونالد ترامب منصبه عام 2021، رأى وزير خارجية خليفته أن الشرق الأوسط أصبح أكثر استقراراً مما كان عليه خلال الأعوام الأخيرة. وربما كان ترامب يأمل في أن يُحَل الصراع بين إسرائيل و"حماس" بحلول موعد عودته إلى البيت الأبيض (في الـ20 من الشهر الجاري)، إلا أن وقف إطلاق النار في غزة والإفراج عن الرهائن لا يزالان في مهب الريح.
ومن هنا، يتعين على الرئيس المنتخب أن يتعامل مع التدخل الأميركي على ثلاث جبهات، دعم بلاده الحرب في أوكرانيا ضد روسيا، ومعالجة مخاوفه الشخصية المتعلقة بالصين، لا سيما المستوى العالي من القلق داخل الكونغرس في شأن نيات بكين تجاه جارتها تايوان، وأخيراً التعامل مع ديناميكيات القوة المتغيرة داخل منطقة الشرق الأوسط، التي قد تشهد انتعاشاً جديداً للإرهاب "الجهادي"، حتى داخل الأراضي الأميركية.
ربما كان دونالد ترامب يعتزم إعطاء الأولوية في سياسته الخارجية للحرب في أوكرانيا، إلا أن الأحداث غير المتوقعة قد تفرض عليه تغيير بوصلة اهتمامه. فالعالم يمكن أن يواجه تطورات تجعل من الشرق الأوسط أزمة طارئة خطرة للغاية، إن لم تكن الأكثر إلحاحاً. واستناداً إلى نهجه السابق في التعامل مع الشؤون الخارجية خلال فترة ولايته الأولى، يمكن استشراف بعض الاحتمالات لما قد ينتظرنا خلال المستقبل.
ففي الأمد القريب جداً، قد يقرر ترامب الرد بطريقة محسوبة للغاية على "تنظيم الدولة الإسلامية" أو أية جماعات أخرى تحاول استغلال الفراغات الأمنية وحال عدم الاستقرار، من خلال الاستفادة من القوات الأميركية الموجودة فعلاً في المنطقة، أو تنفيذ ضربات بطائرات مسيرة.
يُذكر أنه كان خلال فترة ولايته السابقة سمح بتوجيه ضربات دقيقة إلى القوات السورية في أعقاب الهجمات الكيماوية المزعومة، ويمكنه أن يتبنى نهجاً مماثلاً تجاه المنظمات الإرهابية المناهضة للغرب. ومع ذلك، فإن مثل هذه الإجراءات قد تأتي بنتائج عكسية من خلال احتمال تعزيز جهود التجنيد لمصلحة تنظيم "داعش" وجماعات أخرى مماثلة.
كثيراً ما يوصف ترامب بأنه انعزالي، لكن هذا ليس دقيقاً تماماً. فالوصف الأقرب إلى الواقع أنه انتقائي للغاية في أفعاله وفي أي إجراء يتخذه. ويشمل ذلك قراره عام 2020 السماح باغتيال قاسم سليماني، الذي وُصف بأنه العقل الرئيس لإدارة التجسس لمصلحة "الحرس الثوري الإيراني"، وهي خطوة أثارت تهديدات بالانتقام من جانب طهران، وقد تعود هذه التهديدات لتطفو على السطح مرة أخرى.
ومن الملاحظ أيضاً أن دونالد ترامب يميل إلى التركيز على الأفراد بدلاً من المنظمات أو الحكومات، سواء كأعداء كما رأينا مع سليماني، أو كحلفاء محتملين مثل اجتماعاته المثيرة للجدل مع زعيم كوريا الشمالية كيم يونغ أون، أو مبادراته غير الناجحة للتقارب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ويبدو أن هذا النهج نفسه ينسحب على طريقة تعامله مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وهو ما انعكس في تصريحات الزعيم الأوكراني التي تضمنت إشادة إيجابية متزايدة به.
*نقلا عن صحيفة “الإندبندنت” عربية